14 أكتوبر 2013

وحيـــــد (3)



تركنى الاثنين لشخص ثالث يبدو اكبر سناً منهم وملامحة قريبة من تلك التى وضعتنى هنا منذ قليل
كان اول لقاء مباشر لى مع البشر (فيس تو فيس ) حيث اخذتنى تلك المرأة وضعتنى فى غرفة مظلمة
قلت لنفسى .. اذاً هى النهاية ، لقد عرفت طريقى ، من المؤكد انهم يحضرون الاطباق الان !!
انتهى الامر وكلها ساعات وستجد نفسك فى احد الافران
 او على الشوّاية او يغطوننى بالدقيق ليضعونى فى القلاّية

وبعدما مضى عدة ساعات وجدت الباب يفتح فنهضت من الدوق مفاجئاً لتلك اللحظة الحاسمة
ثم أخذتنى الفتاة وخرجت بى خارج الغرفة حتى وضعتنى فى مكان قرب النافذة
هل البشر معتادون على تناول طعامهم هنا ؟!

ولكنها فعلت ما لم اكن اتوقعه ، لقد القت لى طعاماً ! وقبلها وضعتنى فى مكان ملئ بالانوار حيث بإمكانى
مشاعدة ما يحدث داخل البيت وايضاً سماع ما يدور فيه قليلاً  ومن الخارج
انها اشبه بنزهة ترفيهية بعض الشئ الا اننى سرعات ما وجدت صراخاً فى البيت !
اعتقد انهم يتصارعون حول من الاحق بى ليأكلنى ، لالا لا تظنون انكم بإمكانكم فعل شئ بى
" دا انا سمكة فايتر والاجر على الله ".. هكذا هممت بالقول الان ان الصراخ قد هداً قليلاً
وجاءت تلك الفتاه تنظر لى وكأنها اول مرة تجد شيئاً فى الكون مثلى
 على العموم لم اعرها اهتماماً فى البداية
فقط قمت بتجنب الطعام ، فلا اعلم هل هو طعام فعلا او هو طعُم هو الاخر !!

مضى اسبوعاً على هذا الحال ، تلقى لى بالطعام من فوق سطح الدورق ولا اتناوله
حتى وجدتها تقف كثيراً بجانبى وتبدو دائما على قسمات وجهها نوع من الدهشة والفرحة والحيرة
لعلها تسأل لماذا يلا يأكل ؟
اعرف تلك النظرة جيداً ، فكل من يرانى يبدو هكذا وكإننى مخلوق من الفضاء يرونه للمرة الاولى
ما ذنبى فى ان الناس هنا غير مثقفين او لا يهتمون الا بذلك الشاب الوسيم الذى يطلق عليه اسم "الدولفين"
او هذا العملاق الرهيب الذى نشعر به على بعد ميل المسمى " بالحوت"
او ذلك البلطجى الذى لا يجد من يوقفه دائماً المسمى " بالقرش " ..
او حتى هؤلاء الغلابة الاشبه بـ "الاشقاء العرب" الذين يأكلونهم دائماً سواء العادى او البلطى او البورى
 لا احد يآبه لمعرفة أمثالى .. كل الهمّ دائماً على ماذا يحبون على اصناف الاكل !!
 هكذا تجمع طباع البشر فى هذا البلد بين العدائية والدهشة لاى كائن غريب عنهم

ولكن بعد فتره شعرت بالراحة وبدءت اعتاد على حياة الدورق بين هؤلاء الثلاثه الذين يحتونى فى بيتهم
وجدت تلك المرأه التى تكبر عن الفتاه سناً تعاملنى بلطف هى الاخرى مع الفتاه
الا ان ذلك الرجل مازال لم يألفنى بعد ، يكاد لا ينظر لى كثيراً وكإننى لست موجود
ولكن المهم طالما لا يهدد سلامتى فأهلاً به فى البيت ! ، عموماً يكفى تلك الفتاه واعتنائها كثيراً بى

يمضى النهار  والليل ولا اشعر بفارق كبير بينهم الا ان الكهرباء كانت تنطقع احيانا كل يوم بشكل شبه منتظم
ما مشكلة هذه المنطقة مع الكهرباء ؟؟!
يتوقف التكييف عن العمل ويشعرون هم بالضيق ولكنى بالنسبة لى لا تمثل لى مشكله كبيرة
فأنا معتاد على المياه الراكده واستطيع التكيف فى درجات حرارة الغرفة العادية
الظلام وحده هو من كان يصور لى انهم سيستغنون عنى اخيراً الا اننى وجدت ان فكرة التخلص منى
او قيامهم بمعنى اصح بتقديمى على طبق قد تباعدت كثيراً
 اعتقد لو كنت فى بيئتى نفسها لم اكن سأنال هذا الاهتمام
 ونظراً لحالتى لكائن سمكى يعيش وحده ولطباعى الصارمة تجاه وجود رفقه
 وربما لاسباب اخرى لا اعملها تخص الفتاه صار اسمى " وحيد" ...
ذهاباً وإياباً تظل تنادينى بهذا الاسم وعندما تجدنى مع حالى او ابدو نائماً تقوم بطرق الدورق بواسطة القلم
لو كان الطرق بشئ اكبر لظننت انه الزلزال ! ...


هناك تعليقان (2):

  1. غبت فترة وقلت لازم أرجع أشوف وحيد عمل إية!
    جميلة يا علي.

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يخليك يا ابو حميد ..منور الدنيا :)

      حذف

عنوان بلا عنوان

  مرهق للغاية، اشعر بالتوتر والخوف ، وكأن ثقل كبير علي راسي وجسدي، الوقت ضيق، دايما ليس هناك متسع لفعل ما يجب ، او مساحة للتعبير بحرية ، لا ...