الحقيقة هى ما يوجد فى قاع نفسك فى يومك عندما ينتهي وتنفرد
بنفسك مثل كوب من الشاي عندما تنتهي من
شرب اخر قطرة منه وتتبقي البقايا اصل الحكاية ، عندما تبدأ بالخروج فى الصباح
تجبرك الناس والحياة ان تضطر لتركيب الوجة الاخر ، الوجه الهادئ احياناً ، المنهمك
احياناً اخري ، تأتيك الحقيقه خلالها كومضات تحاول ان تستفيق منها وتتجنبها بعيداً
، تسمع من احدهم نصائح للحياة وكيف هي مجريات الامور من حولك والصياح والمزاح ،
تقابل المتهجم دائماً وتقابل من كان يبهجك رؤيته ، تشعر بأنك علقت فى طاحونة لا
تريد ان تتوقف ، والومضات تزيد ، تختلي بنفسك قليلاً ثم يجبرك العمل ان تكمل ،
تكمل وسط آهاتك ، تكمل وسط دموعك الذي لا تري شيئاً من عينيك خلالها ، تخبئها وتصمت حتي لا يسمعك الناس ،
تسحب منديلاً لتقوم بمسح الدموع ولا تنتهي ، تذهب الي اقرب حوض مياة لتغسل وجهك
حتي لايري احد اثار البكاء ، تكمل وصوتك قد لا يسمعه من امامك ، تنتهي من عملك معه
سريعاً كي لا تجعله يسألك ماذا بك ؟
تحاول وتحاول ، تفكر كثيراً ، تستدعي كل التبريرات ، لا تنام
ولا تأكل وتسهر كثيراً فى العمل وتفعل كل
شئ حتى لا تعود وتنفرد بنفسك ،تتمني لو كانت طاحونة العمل ليس لها وقت وتعمل علي
مدار الساعات ثم تنفي عقلك وتستمع الي كلام الاخريين ، من الممكن ان تكون هناك
حكمة ما لم تسمعها بعد و يواسيك ربما احد هنا او هناك ، يري فيك الانكسار ويقول لك
كلمات ويدعو لك وتقابله بابتسامه تحاول ان تخرجها بجدية كي لا يشعر بأنها زيف او
خرجت من قلب متهلهل لم يعد يقوي علي الابتسام ، تشرد بذهنك فى كل موقف وتشعر انك
دائما تاهه فى عالم ليس لك وفى كل كلمة سمعتها من قبل ، ذكريات فى كل مكان تذهب
اليه ، وكل شخص تعامله ، تحب كثيراً الانعزال عن العالم ولا تستطيع ، لا تتركك
الناس لانهم يريدون منك العمل ، وحين يضيق بهم الحال يوجهون لك اللوم علي بقاءك
هكذا وانت تأبي ان تتكلم ، تكتم كل اهآتك وحدك لانه لم يعد هناك احد ، تتمني ان
ينتهي كل شئ ولا ينتهي ، تتمني لو كنت ضحيه شئ ما حدث سابقاً وانقذك الله منها ،
وتري ان كل يوم يمضي ماهو الا رقم يضاف الي ارقام قبله ، تحدثك عائلتك عن المستقبل
، عن عودتك وتقول لهم لا اريد ان اتحدث فى هذا الموضوع انا لا اعرف شئ ، يضغطون
عليك بإجابه واضحه ، تقول بخير واعذروني قليلاً فربما اصابني التعب من اجهاد فى العمل وسأكون بخير ولا يدرون انك تتهرب
من الاجابة لانك دائما جبان او ربما تقول لنفسك دفاعاً انك لا تريد ان تؤذي مشاعر
احد ، الاجابة الواضحة التي بداخلك انك لم تعد تريد اى شئ الا شئ واحد ربما لن
يتحقق ابداً ، تريد ان تصرخ فى وجوههم وتتمسك بقرارك ولكن لا تقولها الان ،لا داعي ، تخبرك روحك ان الكلمات لم تعد محط اهتمام ، سيعلمون مع الوقت ويدركون ان ذلك الشئ مهما
قالت الناس عنه فلن يزيحه قلبي ابداً لانه ببساطة ليس قراراً بل هو نابع من صميم
الروح ، سيقولها الوقت بدلا مني وعندما يعلمون فلن اعير احد اهتماماُ لانهم لم
يعيروا بما اريد بالمقابل .
ثم بعد ذلك يدق قلبك بشدة ، تشعر بأن هناك شئ تتمني لو كنت تستطيع ان تطمس دموعك فقط لاجل
الا يبكي هو ، وان تستطيع ان تربت علي يديه وتسانده وتنظر له نظره فى عينيه ، نظرة
مفادها اني بجانبك مهما حدث ، وان روحي تلك التى صارت بلا حياة سأهبها اليه بلا
تفكير وان تزيح الجراح جانباً وتدعو له ، ولكن لا تستطيع فعل شئ غير الدعاء ، بالرغم من انه تنازل عنك لاجل حياته وبالرغم من تصور انه يعيش
حياته الان كما يريد ومع من يريد وانك ما كنت الا سرطاناً تخلص منه وتشعر بعدها
انك تريد ان تغمض عينيك للأبد بعد ان تتسآل هل كان يعلم انه حياتي ام لا ، وان كان يعلم هل
يدري ايضاً ان روحي اتخذت قراراً تلقائياً بألا حياة بعده ، ربما !
هل يا تري يعلم اننى احلم به كثيراً وان لو عرضت الدنيا امامي
فلن اختار شيئاً لانني اخترت سابقاً وكان هو اختياري الاوحد ، هل كان يعلم انه
العوض الذي انتظرته طويلاً ، الامر اشبه بحدوث مصائب فى حياتك وتصبر كثيراً حتي
يعوضك الله عنها ، وعندما يأتي يقوم بسرقة بقية الحياة منك فلا تعد تعير الحياة
نفسها أية اهتمام ، فاي شئ بعد ذلك لن يعوضك ابداً خاصة عندما تشعر بان ما فاتك من
الحياة اكثر مما سيأتي !
ثم تتفرد بنفسك عندما يظلم كل شئ وتري الحقيقة .. انك منفي فى بلد غريب مع اناس غريبة ، لا
يهتم احد بما صابك ولن يهتم ، لانك جئت لسبب واحد ، لن يهتم احد اذا مرضت بل
يتسآلون متي ستعود لتكمل العمل ، واذا طال الانتظار سيكون عليك البدء بالتفكير
بأنه يمكن الاستغناء عنك ، ولم لا ، فلست اعز عليهم ممن قام بها بالفعل وهم ليسوا
اعز عليّ ممن استغني
الحقيقة انك عاجز ، وتعلم ذلك ،كل المشكلة
انك فعلاً عاجز فلا تضع اللوم علي ما فاتك وحدك ، اذا كنت تريد الحق فانت من يستحق
العذاب والالم وحدك ! ، تشعر بداخل قرارك
نفسك بأنك عدت ذلك الطفل الصغير الذي لا يعرف شئ ، كيف تتحدي وتصمم ، نسيت كل السنوات التى بنيت حياتك عليها ، نسيت
انك تمنيت ان تخترق الحياة والحواجز ، وتتحدي العالم اجمع ، وتثبت بانك اهل لذلك
ومهما كانت الصعوبات فلن يوقفك شئ ولكنك لم تكن تدري ان هناك قطار قرر احدهم ان
يتركه فى طريقك وان لم تمت بعد فــ علي الاقل لن تعيش كما كنت سابقاً .
الحقيقة .. انك لا
تري حتي الرجوع الي بلادك امر جيد ولا تريد و بخلاف العجز وقلة الحيلة والخوف
والالم والشعور بالانكسار الذى لم تعد تري نفسك بعده مثل الزجاج المحطم علي الارض
واللبن المسكوب يتبقي فقط انك لا شئ ، مجرد انسان يعمل ، لا يعرف كيف يستمع بحياته
ربما لانه يري الحياة شئ مؤقت وما كان يشعر معه بأن الحياة جعل منه وقت وانفضي وستنقضي
اعوامه ويموت ، لن يضيف للحياة مثله مثل اغلب الناس ، مثله مثل من عاش ومات
قبله ، اين هم الان ؟ هل حقاً كنت تشعر بانك هناك ما يميزك فى شئ ؟! ، او علي
الاقل تستطيع فعل شئ ؟! ، ربما وان كنت تستطيع فالسقوط المدوي لا ي شئ لا يخلف الا رماداً ، فتاتاً ، يسير عليه بعد ذلك الناس ويتناسوا ، هذه هي
الحقيقة ، بعد الكلام عن الامل والحياة والمستقبل لن تري فى قاع يومك غير ذلك .