ما يحدث بين الجنود بعضهم البعض هو مثلما يحدث بين سكان ابناء منطقة واحدة ريثما لو كانت معزولة ومستلقة عن العالم المحيط بها فى الخارج ، حيث الطبقية ، هناك القادة ثم الوسطاء ثم الناس العاديين ، القادة هم العقل و الناس هم الجسد بينما الوسطاء فهم الاشارات العصبية التي تربط بين ما يصدره العقل وما يجب علي الجسد تنفيذه ، القادة هنا يمثلهم الظباط
والناس هنا هم الجنود بينما الاشارات العصبية الناقلة للاوامر فهي ظباط الصف ، هكذا ببساطة اتمني ان اكون قد وضحت الفكرة دون مبالغة او تعقيد ..
كما ذكرت دائما هناك طبقية فى التعامل ، هي ضرورة ، فى الجيش ليس الجميع متساوون ، هناك من يخطط وهناك من يشرف وهناك من يقوم بالتنفيذ علي ارض الواقع ويجب ان يظل كذلك والا سيكون لكل امرئ رأي ولن ينٌفذ اي شئ ابداً ، ولكن المشكلة
هنا ليست فى ذلك النظام انما فى المعيار ذاته ، اختيار الكفاءات في حد ذاتها ، عندما تتحول تلك الطبقية التي تساعد علي الانظباط والانجاز الي تكبر واستعلاء واستغلال احياناً ، عندما تعامل غيرك بعلو وبفظاظة لا لشئ الا كونك جئت قبله فى هذا المكان ، او كان حظك سعيداً في الدنيا ان تخرجت من كلية عسكرية او تربيت فى حضن الميري منذ خروجك من الاعدادية
بينما ذلك المسكين الذي أتي مجبراً هو الوحيد الذي لا راي له ولا ارادة ، لا تعطيه حتي مساحة الاختيار بين ان يدخل الجيش
او يظل مدنيا ويشق طريقه فى مكان يراه افضل من ذلك ، وللعلم فقط الكثير جداً من الناس تحب العسكرية وانا وحد منهم
واذا فتح باب الاختيار اعتقد ان الكثير لن يتردد فى الذهاب للجيش ، كونك مقدماً علي شئ بإختيارك افضل بكثير فى المعنويات من اجبارك عليها ، يكفي انك كل مرة تري فيها شقاءاً ستحشذ همتك فى العبور منها وليس شعورك بالقهر علي اجبارك عليها .
بين الجنود وبعضهم البعض لا يختلف كثيراً عما بين الناس ، الفارق فقط ان الجنود من المفترض انهم يفعلون كل شئ فى مكان واحد متجمعين ، حياتهم تعتبر مكشوفة امام اعين كل منهم للاخر ، هناك القوي الذي لا يهاب شئ ، هناك الجبان ، هناك الذي يملأه شعور النقص ، وهناك الهادئ والملتزم والمطيع وهناك الشقي وهناك من يحب ان يظهر علي حساب الاخريين ، هناك ستجد كل نسيج المجتمع بإختلاف مناطقهم وتربيتهم فى مكان واحد ، ولكن الذي رأيته كقاعدة تقريباً هو معاملة المستجد دائماً كنوع من الفرصة لإثبات اهميتك خاصةُ من يقضون فترة الخدمة جنود ثلاث سنوات وسنتين لمن يقضونها فى سنة واحدة ، وحتي ظباط الصف ستجد الكثير منهم الا من رحم ربي علي هذا النحو ، لماذا ؟ ببساطة انها عقدة النقص !
الجندي الذي يقضي عاماً واحداً فقط فى الجيش ثم يخرج يُرٌى كأنه عابر سبيل ، وانهم رجال افضل منه ، وليس لانك قد تخرجت من جامعات فهذا يعني انك افضل منا نحن ! ، سيجعلونك تشعر بقصد او دون قصد انك هنا مجرد مستجد وستظل كذلك
الي ان تنتهي فترة خدمتك ستظل ايضاً في اعينهم مستجد ! ، سيرونك لست رجلاً بما فيه الكفاية مثلهم ، هم من تحملوا الدنيا واعبائها من الصغر ، هم من توقف الاهل عن الانفاق عليهم منذ وقت طويل ، تفكيرك ايها المستجد هنا احتفظ به لنفسك ، لا تفكر من الاساس ، لا تعترض ، لا تحلل اى موقف ، لا تري اين الصواب واين الخطأ ، فقط نفذ ما تؤمر به فى صمت !
وان لم يعجبك فهناك القاعدة التي تقف متردداً عندها وهي ( نفذ وبعدين اتظلم ) في الغالب نفعل الجزء الأول منها اما الجزء الاخر فمصيره طي التجاهل وطي النسيان وذلك منعاً لإثارة المشاكل ولفت الانتباه عليك
الحقيقة تقال ليس جميعهم كذلك ، ولكن الاكثرية علي نفس هذا الشكل ، خصوصاُ ضباط الصف ، وليست مصادفة انك ستسمع مقولات من بعضهم اثناء خطاباتهم العنترية فى الطابور انهم اساطير فى الجيش وقد خدموا وفعلوا حينما كنت انك مجرد نطفة
فى بطن امك ! ، مازلت اتذكر كيف اننا رجال من المفترض اننا متعلمون ومثقفون نقف امام شخص ما رتبته عريف مازلت لحيته بيضاء لم تخرج منها شعرة واحدة ويقوم بتكديرنا لاننا فقط لسنا علي هواه ! ، وكنا ننظر اليهم كنفوس مريضة يجب تحملها خلال تلك الفترة وكنت تتمني لو رأيته فى الحياة المدنية بعد ذلك ، كان البعض يحلم بهذا الموقف ليتمكن من قول لا باعلي صوت لديه دون ان يترتب علي ذلك أرونيك ذنب او حكم بعصيان أمر !
الجيش شيء سيعلمك الحياة حرفياً ، بحلوها ومرّها ، ستتعرف علي من تريد ان يصير صديقك الي الابد ، وستعرف ايضاً شخصيات ستتعلم تجنب مثلها في حياتك بعد ذلك ، ولكن الأكيد انك ستعلم معني القوة المطلقة عندما تقع في يد انسان ماذا تفعل به ، في تلك اللحظة يظهر معدن الانسان بشكل جلي وواضح ، الدرس الاخر هو انك لا تدع احد مهما كان يمارس علي حياتك تلك القوة مطلقاً ، اياك !