قبل كل شئ دعني اخبرك ، الحياة وانت جندي ليست كما تراها وانت تنظر الي الجنود وتري ما يفعلون ، عليك ان تعيش كجندي لتعلم ذلك جيداً ، فلا تحكم علي اى جندي او فرد داخل الجندية قبل ان تعلم ، لان حياته مختلفة 360 درجة حتي ان اكثر الاشخاص فقراً وبؤساً قد تراه افضل ، 99 % مما يفعله ليس ما يريده او يرغب فيه ، وان روحه ونفسه ليست ملكه ، وان الحياة هناك تجعل من تفكيرك ضيقاً لابعد الحدود
ومع الوقت تنسي انك كنت مدنياً من قبل ، وكل ما ترغب فيه هو ان ينقضي الوقت وحسب ، وليس هناك اسوأ من ان تشعر ان نفسك ليس لك الحق فيها بل ان الاحق بها كل ماهو اقدم منك سواء بالوقت او بالرتبة ..
اتعلم ؟ كل شئ هناك قد يصبح هيناً وسهلاً ان فقط اعطيت نفسك لك وصرت حراً ، وان تستخدم عقلك كما تشاء وليس فقط لتطيع الاوامر وطريقة تنفيذها وعما هو قد يسبب العقاب وتتجنب فعله ، وبالرغم من ذلك كله فإن اطاعة الاوامر هي العمود الفقري للجندية وذلك ليس سيئاً
لان ان لم يكن هناك طاعة واحترام للأقدمية فهو لن يعد جيشاً او حياة عسكرية اذاً ، ستكون اقرب لتشكيل عصابي !
المهم ،ذهبنا الي قيادة المنطقة الشمالية فى سيدي جابر وبتنا ليله غالباً هناك ثم بعد ذلك الي معسكر اخر يذهب اليه الجنود ليتم توزيعهم علي اللواءات والكتائب و كان اللواء العاشر نسخة مصغرة لما هو قادم فى الجيش ، كانت اول المحطات لمعرفة انك مجرد جندي قيمتك قد لا تعود بالنفع اكثر من من مجرد هيكل حديدي ( السلاح ) وبعض الاقمشة ( الافرول ) ، بعدما وصلنا اولاً الي الاسكندرية وانتهت محطة السير الطويل وانت تحمل مخلتك والمرمطة وقضم الظهر ، نزلنا من الاتوبيس وجلسنا فى صفوف ، حان الوقت لمعرفة كل فرد فينا اين ستكون الكتيبة التي ستكون مدة خدمته فيها بشكل ثابت
كان لي صديق كنت اشعر بشكل خفي اننا سنكون فى نفس الكتيبة ولكنه لم يكن يريد ذلك او قل انه كان يخشي ذلك لاسباب شخصية قد نضحك عليها ان قابلته الان صدفة ، كنت الح عليه كثيراً واقول اننا سنكون فى نفس المكان ، ولانه بشكل غريب كان من ضمن القلائل القادمين من القاهرة وتكون مدة خدمتهم فى المنطقة الشمالية !! ، نعم عندما يعود لبيته خلال الاجازة ستكون الاجازة نصفها فى الطريق والنصف الاخر فى العودة مرة اخري !
المهم اننا جلسنا واستمعنا وكانت المفاجأة اننا فعلاً فى نفس الكتيبة ، لك ان تتخيل كمية الضحك ! ، اذاً يا صديقي العزيز انت من ضمن المئات من القادمين من القاهرة وجدت نفسك ذاهب اليى اقصي بلاد عن بلادك وليس كذلك فقط بل فى ابعد نقطة فى المنطقة الشمالية كلها
منطقة الحمام !! ، هذا اسم منطقة فعلاً بالمناسبة وليس ما دار فى رأسك عندما رأيت الكلمة ! ، وهى تعد المحطة الاخيرة قبل الدخول فى المنطقة الغربية ، وكان ساكنيها عبارة عن بدو ، وضع تحت كلمه بدو مائتان وثلاثة واربعين الف خط !
بالطبع الكتيبة لم تكن اشارة مثلا او دفاع جوي هي فقط عبارة عن استطلاع كما علمت فيما بعد ، استطلاع مدفعية ، لان هناك كتيبة اخري تماماً تسمي فقط بالاستطلاع ، وايضاُ كما اظن هي تخصص استطلاع عن العدو ، هذا والله اعلم يعني ، لا تنظر لي هكذا هي معلومة مفيدة صدقني
تلك كانت المحطة التي اقمنا فيها غالباً مدة ربما ايام او اسبوع وربما اكثر لا اتذكر جيداً ، كانت الحياة عبارة عن طوابير ثم بعض الاعمال ثم الاستلقاء فى الشمس ثم فى الظل والطعام ثم فى الليل ننام بجانب بعضنا البعض وكأننا فى خندق ، الحمامات دائما مزدحمة ، وطبعا المدة الطويلة بغير اجازة كانت توجب عليك الحلاقة هناك وما ابشعها من حلاقة ! ، حتي ان هناك بعض الليالي التي اصبت فيها بالاعياء وبمغص كاد يفتك بأمعائي ، ربما من الطعام او ربما شخص ما نقل لي العدوي ، الله اعلم ، هي كانت ليالي صعبة للغاية ولم يكن هناك طبيب او صيدلية او اي شئ قد يسعفك
ثم قرر شخص ما ان ننتقل ؟ ها الي الكتيبة ؟ ، لا ، الي اللواء العاشر
اممم اشعر ان اسمه مميز واين هو ؟ ، اتري تلك المباني وسط الصحراء هناك ، نظرت وقلت فى نفسي بالطبع سيرسلون عربات لتأخذنا
المسافة الي هناك طويلة للغاية ، ثم تفاجأت ان العربات التي ستأخذنا جميعاُ الي هناك كانت عبارة عن قدميك فقط !
ولنا لقاء اخر ..