كانت بداية اللواء العاشر مرهقة جداً مثلما كانت نهايتها ايضاً ، بالرغم من تخللها بعضاً من اللامسؤلية والراحة ولكنها لم تدوم ، هذا اللواء تراه من الخارج مناسباً لرحتلك فى الجندية ، قريب من العمران والمواصلات وبسيط ولكنه مش مكيا ، وان لم تعرف معني مش ميكا ببساطة هو مشاه ميكانيكي ، ولما سمي بهذا الاسم ؟ امم قصة طويلة اختصاراً لها انه فى الغالب هناك ألوية كثيرة لها ذلك الاسم وهو يدل علي ان ذلك اللواء به كتائب بين المشاة والدبابات وهكذا ...
والمعروف ان ابغض سلاح لدي الجنود هو المشاة ! ( من اسمه يعني باين )
بعد البداية الغير مبشرة بالمرة والتي كانت عبارة عن السير مسافة طويلة جداً وانت تحمل المخلة ( الشنطة-الحقيبة )
والتي بها كل شئ يخصك ومعها بالطبع امتعتك الخاصة ، ولا تنسي انك تسير بالبيادة ، وهي عبارة عن حذاء لا فرق بينه وبين سواه غير انك تشعر بانه حذاء بداخله 7 رطل من الرمال ، فكان ذلك اشبه بتمرين رفع اثقال عنيف خصوصاُ لو كان لجنود مستجدين ، بالنسبة لي وقتها حمل السلاح ( والذي كان ثقيلاً وقتها بالمناسبة ) والركض به كان افضل من حمل تلك المخلة اللعينة علي ظهري دقايق
بعدما وصلنا صارت كل غايتنا تنحصر فى ايجاد مكان نبيت فيه ، بالطبع ان تدرك كم من الجنود معك مثلك تماماً سيتم توزيعهم علي المنطقة بأكملها ، الامر اشبه بهجرة بعض المدن ليتم وضعهم فى عمارات محدودة العدد ، والنتيجة هى ان عند اخر حدود قد تصلها قدميك قم بوضع المخلة واخرج بطانياتك التي اشبه بالشوك تلك ونم عليها .
كنا مجموعة او قل اصدقاء وذلك لاننا كنا معاً فى مركز التدريب ، فراق الاخريين لنا كان يملونا بالحزن ، ولتعلم ان صديق الجندية هو اقرب صديق لك ، لماذا ؟ لانه مر بكل اختبارات الصداقة التي من شأنها معرفة ان كان صديق حقيقياً ام لا
بالاضافة الي ان اي انسان يشاركلك محنة ما فليس من السهل نسيانه ابداً
عندما قلنا اخيراً وجدنا مكان اذ فوجئنا بــ رجل علي اكتافه نجمه او اثتين ( ملازم او ملازم اول ) يصرخ فينا ويقوم بطردنا خارج المكان ( كان بكلمات بذئية اخشي ان اذكرها حتي علي سبيل المزاح ) !
اخذنا بعضنا نجوب الامكنة حتي لم يعد هناك مكان غير الشارع او مخبأ صغير اشبه ببيت مهجور منذ زمن لا اعلم ماذا كان عليه فى الماضي ، اعتقد انه كان مجرد سجن ! ، كنا سنرحب بلا مشكلة لولا انه عفا عنه الزمن ومن المحتمل ان يكون فيه حشرات وافاعي ناهيك عن قذراته ، لذا كان الشارع افضل كثيراً
ولكن في النهاية تمت النجدة بحمد الله وذهبنا الي عماره سكنية ارتضوا ان نبيت فيها وصعدنا الي الدور العلوي وقمنا بفرش بطانياتنا الشوكية تلك ، وبالطبع لاننا كنا مرهقين فلم يقم احد بالتركيز علي شخير احدهم او رائحته ، فقط نم !
وللمعلومية فقط ، تلك العمارات ليست كالتي تراها فى المدنية ، عمارات العسكرية منقسمه الي مجرد عنابر وغرف للسلاح والذخيرة ولاي معدات اخري ، وبالطبع للظباط وصف الظباط نصيب الاسد فيها .
قبلها حين وصلنا هناك ( الي اللواء العاشر ) ليلاً ، قاموا باصطفافنا والحديث الينا ، علي ما اتذكر كانوا مجموعة من الجنود القدماء او ربما ضباط صف ، وقالوا لنا ان كل يوم سيكون هناك طابور وان عليك الانصياع لاي امر ، ومن المحتمل ان يأتي اتوبيس الكتيبة او اللواء التابع له فى اي وقت ليأخذك ، لذلك عندما نقول هناك جمع فلتأتي فعلاٌ ومعني كلمه جمع ببساطة ان تحضر بنفسك متأهباً بكل شئ في ساحة الطابور
في اول الايام كنا نفعل ذلك الي حين علمنا وبالتجربة انهم كانوا يستغلونا فقط !
القاعدة الازلية فى اي معسكر : اى عسكري قادم اليك حلال لك ، تستخدمه للنظافة ، للعمل ، لاداء اى وظيفة ، ربما فقط لا تعطيه سلاح او خدمة لانه حينها يجب ان يكون تابعاً لنفس معسكرك ، وبما انه قادم بصفة مؤقته وبما انك قديم و ابن المكان وبما انه لا يعرف شئ فسيقوم بتنفيذ اي تعلميات او اوامر وذلك ما فعلناه فى بادئ الامر
حتي بادئ ذي بدء حينما كنا فى مركز التدريب كانوا يوقفوننا خدمة بالعصا ، لانه لا يجرؤ علي اعطائك سلاح ، بغض النظر علي عدم تدريبك الكافي ، انت لست فرداً فى الكتيبة نفسها معهم .
ستري نفس المعاملة هذه فى كل مكان ، الجندي القديم او الٌرتَب دائما تري اى جندي مستجد عبارة عن شخص قادم من كوكب اللالا لاند ، ابيض ، خام ، تشعر ناحيته بشئ من الشفقة وايضاً فى نفس الوقت بالتعالي !
ولكن بالرغم من ذلك ينبغي ان اذكر تلك اللفتة الطيبة من جندي هناك ، لم يكن معي هاتف ، فقط رقم تليفون ابي ، وقمت بالاتصال به من هاتفه الخاص ولم اجد اجابة ، لاحقاً استوقفني ذلك الجندي وقال لي انهم قاموا بالاتصال فيما بعد واعطاني اياه لاتحدث اليهم ولم اكن قد حصلت علي اجازة لفترة ، ذلك الموقف وان بدا بسيطاً الا انه لا ينسي ، ادعوا من قلبي لذلك الشاب ان يحفظه الله من كل شر ويجازيه خيراً ..
كنا نقوم بالنظافة وجمع الاعشاب الضارة والحفر وبأي مهام اخري كانوا يعطوها لنا ، حتى تعبنا وتعلمنا كيف نلوذ بالفرار منهم ، فى النهاية انت لست فى معسكرك الاساسي ، وف اى وقت ستذهب ، ليس لديك تمام ، ليس لديك مهام محددة
كنا نعلم مواعيد الطعام ومن بعدها نذهب الي الكافيتريا ، والتي كانت طوال الوقت تذيع كليبات للاغاني واى شئ اخر يلهي الانسان عما هو فيه ، وكنا عندما نراهم نلوذ بالفرار ( عساكر اللواء )
في بعض الاحيان كنت اترك الجميع واصعد سراً نحو السطوح وانام ، كانت الجو بارداً غالبا كنا فى نهاية فبراير او بداية مارس ، وفي ذلك الوقت بدأت القيام بعدً الايام تنازلياً لان واحد مارس كانت تعني البداية الفعلية لفترة الخدمة وكنا نحصل علي الدفء من خلال الشمس فقط ، كنت اعتبرها استجمام ، كانوا يبحثون عنا واعتقدت ان ذلك المكان هو اخر مكان سيظنون ان فيه احد ، وفعلاً قد كان ، نجحت الفكرة و كنت ازحف بالطبع لانني اذا وقفت من الممكن ان يراني اي احد ، ناهيك عن ابراج المراقبة !
ولكنها نجحت لفتره حتي اعتدنا واعتادوا الامر واصابنا الملل من طول الانتظار وصرت لا ابالي غير بشئ واحد
متي سأذهب الي الكتيبة ؟ ويا ليتنا ما سألنا هذا السؤال !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق