بداية انحدار سلم الكتابة من حياتي كان قبل ذهابي للجيش ، فى عامي الاخير او قبل الاخير ف الجامعة ، عندما صار الجميع لا يهتمون مثل السابق والجميع هنا يشمل كل شئ وليس فقط الافراد القائمين علي المجلة التي كنت اكتب بها ، حتي ان اخر عدد كان قد صدر لم ينشر للطلبة ، حقبة الثورة بدءت تنتهي وشمعة الامل بدءت تخفو
وعندما تم اخيراً تخرجي من الجامعة وكأي شاب مصري ما الحائط الذي سيجده فى وجهه بعد خروجه
من بوابة الجامعة مباشرة ؟
الخدمة يعني الخدمة فى الجيش يعني التجنيد الاجباري يعني عش حياتك يعني جيشك حلبة ( كلمة تقال لكل مستجد فى الجيش )
ذهابي للجيش كان له دور كبير جداً ، حاولت فى البداية ان اكتب وكانت تشبه المذكرات ، كمثل ما اكتب الان !
ولكن اذا دخلت الجيش ستعلم انه من الصعوبة البالغة ان تكمل ، صعوبة اصلاُ فكرة ان تكتب !
تخيل معي ماذا سيكون رد فعل قائد الكتبية وظباط وصف ظباط الكتيبة عندما يعملون او حتي الزملاء ، تخيل انت الباقي ، لا داعي لتخيل اي سيناريو محتمل ، لذلك توقفت
او قل اٌلهيت فى طريق اخر وصار لا يوجد وقت او حيل ( عزيمة ) وصب اهتمامي كأي مجند مستجد خريج جامعة
فى سؤال واحد ، متي ستنتهي تلك الفترة ؟!
قٌضِي علي فترة خروجي من الجيش حتي الان حوالي ثلاث سنوات ونيف ، دفعة واحد ثلاثة يوحد الله !
ربما ما زلت اتذكر بعض التفاصيل ولكن مهلاً هل تستحق الذكر من الاساس ؟ لا اعلم ولكن لو اردت ان اكتب عنها سأكتب
اينعم ليس كل شئ ولكن الخطوط العريضة فقط ، لابأس اطمئن ، انا لم يكن موقعي فى الجيش حينذاك فى المخابرات مثلاً
كان مجرد سلاح اخر ما كنت اتوقع الدخول فيه ، المدفعية ! ، اصابني الذهول وانا الذي اعاني من مشكلة فى السمع ! ، حتي ظننت حينها ان الامر ربما مقصوداً
المهم ان سلاح المدفعية ذلك لم اري فيه مدفعاً واحداً ، لماذا ؟ لان تخصصي كان تخصص ضمن سلاح المدفعية يدعي استطلاع مدفعية ! ، شئ اخر لا افهمه فى الحياة ، ما فهمته حقاً حينها اننا نرصد او نعطي اهدافاً لكي يتم قصفها بالمدفعية ،اكثر من ذلك سأكون كاذباً ان تكلمت ، حسناُ شكر الله سعيكم علي تلك المعلومة ، كنا سنضيع ان لم تخبرنا بها ! فى الغالب نحن فى ذلك السلاح لم تكن مهماتنا تنحصر فى الاستطلاع اصلا ، كان ذلك المسمي فقط
نحن فى الغالب جنود يقفون فى الخدمة ساعات طويلة للغاية ، او تنظيف الاسلحة ، او عمل ما قرر حضرة الصول فلان او الضابط علان ان نفعله ولم يكن بالشئ الذي كنت تتوقعه من حروب وتدريبات وملاحم عسكرية تسرد احداثها فى فخر عندما تنتهي مدة خدمتك ، تلك كانت احلام يقظة ، بالرغم من اننا تحملنا ظروفاً ومواقف لا تقل اهمية عنها عندك مثلاً :
فى البداية فى مركز التدريب الذي كان فى القاهرة علي ما اتذكر ، اثناء تدريبات الصفا والانتباه هناك امام نقيب ما ، وقعت النضارة علي الارض و .... زال حلمي بأن اري بشكل واضح مع حاسة السمع الضعيفة ، لك ان تتخيل !
بالاضافة اننى كنت بديناً حينها ، وكانت شخصيتي كالمعتاد مسكينة ضعيفة في المواقف الاجتماعية خصوصاُ اذا كنت
من الاساس مجرد جندي كل ما تفعله فى المعسكر يكون بأوامر ، وليس لك فى العالم حرية الا فى ثلاث
( فلوسك ، مهماتك ، شرفك ) ، والذي لم يكن يهتم احد بالتعرض اليهم
فترة ان تقضي بعضاً من الخصوصية مع نفسك صارت منعدمة حتي وقت النوم والذى تكون فيه قد تم اهلاكك بدنياً تماماً
فتنام كالجثة ولا تريد شئ فى العالم غير ان يتركوك تنام حتي تستريح فقط
ذلك ايضاً كان من المستحيلات ، ربما فقط يوم الجمعة نتأخر بعض الشئ فى طابور النضافة ولكن تنام علي راحتك
وتستعيد نفسك وذهنك مجدداً ؟ أمجنون انت ؟ ( عبيط يالا ولا ايه ، الكلام دا فى بيتكم هناك يا عسكري يا سكنلي) !
فيما بعد علمت ما كانت تعني " سكنلي " ، هي مزيج من الكسل واللامبالاه والاهمال واحيانا الانضباط ، كل ذلك فى كلمة واحدة ، فعلاً نحن كمصريين عظماء فى اللغة !
قضيت النصف الثاني من مركز التدريب ثم بعدها طريق الترحيل الي الكتيبة التي ستقضي فيها مدة خدمتك كاملة ، اي ان كل ما سبق فى مركز التدريب كان مجرد افتتاحية !
طريق الترحيل تخلله توقفات عدة فى ثلاث اماكن ، كان اولها منطقة سيدي جابر ( قيادة المنطقة الشمالية ) وطبعا كان مشوار القطار من القاهرة الي الاسكندرية مرهقاً للغاية ، تحمل مخلتك علي ظهرك وكل شئ بشكل سريع وتعامل معاملة فلاح انفار فى ارض شركس باشا ايام حكم الوالي العثماني وان لم تفهم هذا يعني انك مجرد رقم علي الهامش ، بل ان ما ترتديه من ملابس عسكرية هي بلا شك اعلي قيمة منك من حيث المعاملة
قضينا اوقاتاً كنا بها بلا مسئولية حقيقة لا خدمة حتي انني كنت اهرب الي السطح واستجم ! ، وكان ذلك فى اللواء العاشر
ولنا لقاء اخر ...
كم أعشق اسلوبك في السرد
ردحذفربنا يكرمك يارب ، شكراً جزيلاً :)
حذف